الأربعاء، 17 سبتمبر 2008

كتاب جديد للباحث الليبي د. محمد المفتي

لماذا فشل العرب في معركة التحديث؟


خالد المهير



في مقدمته لكتابه الجديد "بنية الثقافة وأزمة التحديث" الصادر عن مجلس الثقافة العام، يجابهنا الباحث الليبي الدكتور المفتي، صاحب كتاب " توطين العلم أولا " الذي صدر قبل بضع سنوات.. بالعبارات التالية:

’’ يبقى فشل المشروع النهضوي العربي الذي مضى عليه قرن ونصف، من الظواهر المحيرة في عصرنا والتي لم تنل اهتماما جادا وصريحا خارج دائرة الجدل السياسي. فقد عجز التحديث الظاهري للدولة والاقتصاد عن تحقيق التنمية والديموقراطية، بل أفرز إقتصادا استهلاكيا .. وأعطانا ديموقراطية هشة احتفظت بشتى مظاهر الاستبداد والعسف التقليديين. واكتفينا بإحالة تعثرنا إلى عوامل خارجية كالاستعمار وقيام دولة إسرائيل، واجتررنا الخطاب الحماسي بدلا من التحليل الموضوعي من أجل الكشف عن العوائق الكامنة في ثقافتنا ومن ثم استنباط حلول فعالة لها‘‘.

التكوين الجغرافي والديموغرافي للمجتمع العربي وليبيا نموذجا له.. هو في نظر الدكتور المفتي أشبه بأرخبيل من الجزر المبعثرة في محيط.. واحات منعزلة في بيئة صحراوية.. وهذه العزلة هي ما يكرس الولاء الضيق للقبيلة والجهة أو هما معا تحت لافتة الطائفة.. وهذه النزعات تبقى أساسية في وجدان المواطن العربي توجـّه سلوكه اليومي.. بل وتلوّن رؤى النخبة المسئولة وتكيـّف توجهات صانعي القرار في إدرات الدولة.

ويمضي الدكتور المفتي: ’’ القبيلة في المجتمع التقليدي أساس لبقائه واستقراره، إذ تحقق قيمها وأعرافها تناغما وسلاما بين أبنائها وبين سائر القبائل كما توفر آلية للدفاع ضد عدو خارجي. لكن القبيلة لا تـتسق مع الدولة الحديثة التي تتطلب الولاء لوطن أوسع من موطن القبيلة وتقيم اختياراتها على أساس الكفاءة لا الولاء. كما أن التقدم بكل جوانبه يستند اليوم على الحصيلة المعرفية وبالتحديد على العلم والتقنية لتحقيق الإزدهار والمنـَـعَـة، وبدورهما يحتاج استيعاب العلم والتقنية لقيم مغايرة للثقافة التقليدية‘‘.

وفي ظني أن فصل " الدولة العربية في نصف قرن"، هو أفضل ما كتب عن تخلـّق الحاكم المستبد من جوف الدولة وبطاقة القيم الاجتماعية السائدة. لكن غضب المؤلف ينصب على فرضية المؤامرة السائدة لدينا في تعليل شتى الأزمات العربية، لأن هذه الفرضية، كما يقول: ’’تمنعنا من فهم واقعنا وقدراتنا وجوانب ضعفنا، وتقطع الطريق علي أي محاولة لتصحيح الخلل. وفوق ذلك فإن التدخل الخارجي أمر تحتمه ظروف العلاقات الدولية في العصر الحديث. لكن فعالية التدخل تـنبع لا من مهارة وبراعة الأجنبي بقدر ما تنبع من شروخ حقيقية في بنية المجتمع العربي كالأحقاد والثارات المذهبية، ومغالطات واسعة في فهمنا نحن لأنفسنا ومشاكلنا. فنحن لا نعترف علنا ولا نناقش الحساسيات الجهوية والطائفية والمذهبية والدينية.. التي تشكل المنافذ الحقيقة للتدخل الأجنبي‘‘.

ويرى الدكتور المفتي أن ’’ إغفال هذه الجوانب هو سر تعثر المشروع النهضوي العربي الذي امتد لأكثر من قرن ونصف ولكن دون تحديث حقيقي وفعال سواء على المستوى التنموي أو السياسي‘‘.

يتكون الكتاب من إثني عشر فصلا، هي " بدايات الوعي بالهوية الوطنية / الدولة العربية في نصف قرن / عن هشاشة الديموقراطية / تشريح العسف / الاختلاف لا يعني الخلاف / حق المواطنة / إصلاح القارب الليبي/ الإصلاح بالعين المجردة / تعليمنا وإعادة إنتاج التخلف / الخيـار المتبقي / توطين العلم والتقنية.. ‘‘.

ومعظم فصول الكتاب هي مقالات مطولة أو دراسات سبق نشرها، ولذلك تتباين في بؤرة اهتماماتها ومدى تركيزها على المحلي الليبي أو العربي العام.. لكن بعض فصول الكتاب مثل "تشريح العسف" و " الدولة العربية في نصف قرن " و " عن هشاشة الديموقراطية "، تشكل تناولا جديدا وشجاعا. وللدكتور المفتي كتابات عديدة في المجال الثقافي الليبي، كان له السبق في طرحها. لكن الكتابة العربية للأسف ما تزال أسيرة الحواجز الرقابية بأشكالها المختلفة وغياب صناعة الكتاب وآليات فعالة لتوزيعه، ولهذا قد لا تحظى كتابات رائدة بالاهتمام والنقاش المطلوب

ليست هناك تعليقات: